arablog.org

هرمنا، فهل ستهرم التكنولوجيا يوما ؟

التكنولوجيا

يوم كانت التكنولوجيا طفلة صغيرة، كنا صِبية نلهو معها بعض الوقت، في شوق دائم لقدومها… كانت تنام أكثر مما تستيقظ تماما كحديثةِ ولادة عملُها الوحيد النوم والرضاع…


تُشرق على الساعة السادسة مساء وتغرب منتصف الليل في سبات عميق تودعنا لنخلد للنوم مبكرا ونصبح مع صياح الديكة، تطأ أقدامنا الصغيرة الطبيعة قبل أن تطأها أشعة الشمس الذهبية، نلهو ببعض الألعاب التقليدية رفقة من يحرك مشاعرنا الطفولية.

كانت فتاة يتيمة بل قناة وحيدة نسميها “الأرملة”، أرملة بلباسها الأبيض، يتيمة فيما تقدم… فيلم وحيد، برنامج وحيد، نشرة أخبار وحيدة، فيلم كرتون وحيد، حتى الإشهار كان يتسم باليتم، شيء واحد فقط كانت تريه لنا مرتين هو النشيد الوطني للمملكة، كان بمثابة قرصها كقرص الشمس لحظتي الشروق والأفول، أو بمثابة غلاف لها كدفتي كتاب لم تقرأ كل سطور حياته.

حين كانت التكنولوجيا صَبية بريئة في حِجر أمها –أو هكذا كانت تبدو-، كانت تجمع كل أفراد العائلة رغم يُتمها، بل أحيانا تلُم الشمل حتى مع بعض الجيران رغم لونيها الأبيض والأسود، كنا راضين ظانين أننا تقدمنا وودعنا التخلف دون عناء ولا تكلف، فلم نكُ ندري أن أناسا آخرين وراء المحيط قد كبرت طِفلتهم وكثرت صباياهم.

لما كبرت التكنولوجيا في منزلنا وأضحت فتاة شابة فاتنة الجمال، راحت عقولنا تتبع جمالها ورونقها، راحت أعيننا ترمق زينتها وكثرة ألوانها، ظلت آذاننا تسمع كلامها المعسول. لما أينعت ثمارها لم تعد تكفيها سلة عقولنا، فأصبحنا نلهث خلفها علنا نسبقها… لكن أنى لنا ذلك، فقد تركت سريرها دون رجعة ولم تعد تشعر بالتعب كي تنام فأتعبتنا ولم تتركنا مع ذلك لنَنَم !!

لم نكن نتوقع أن تكبر بهذا الشكل المبهر، ولم نكن نعرف حتى كيف كبرت، لكنَّا بعد حين اكتشفنا أن كل طفلة ترضع تكبر مع مرور الوقت كما نهرم نحن، فقد رضعت من جيوبنا الخاوية وأكلت من مالنا بالضرائب غير المباشرة وشربت من معين الإشهار اليتيم الذي ظل يكبر ويكبر حتى أصبح أكبر منها.

يوم كبُرت التكنولوجيا في منزلنا، تلك اليتيمة في صغرها جعلتنا يتامى بعد شيبنا، ولم تعد أرملة بعد زواجها بمن يكبرها وتقتات من مداخله… فَرقَتنا فردا فردا كل في زاوية، كل مع محبوبته من بناتها في ركن، بلّدت مشاعرنا وأبردت أحاسيسنا تجاه من نحب، ولازالت تقطع علاقاتنا كلما قطعت حبل السرة لأحد أبناءها الجدد.

هرمنا وبقيت التكنولوجيا تكبر وتتجمل وتفتن وتتفنن، حتى بعد زواجها لم يحدد الغرب نسلها ولا نظموه كما فعلوا هم وكما طالبوا دول الجنوب، فأنجبت وأنجبت ولازالت تنجب يوما بعد يوم دون ملل ولا كلل. أبناءها يكبرون بوثيرة أسرع ولا تكاد تلد جديدا إلا ويقوى عُوده وينافس إخوته بكل أنانية وحب ذات. فكثُرت الماركات العالمية وازدادت تقنيات تسويقها، وللأسف سُوقت لنا حتى أنانية أبناء التكنولوجيا وحبهم لذواتهم واتهامهم لبعضهم البعض بالنقص وكشف العيوب واتباع العورات والرقص على الجروح…

هكذا حال التكنولوجيا وذلك حالنا معها، فهل سيحدودب ظهرها يوما وتهرم لتصبح عجوزا عاجزا عن تفريق أبناءنا مع أحفادنا والكف عن بث سمومها في حياتهم ؟؟

وهل سيأتي يوم تعود فيه علاقاتنا إلى الأفضل ونوقظ جذوة الحب تجاه من هم منا في قلوبنا، لحظةَ نَعي التكنولوجيا ودفنها تحت الثرى، لتعود إلى سباتها وإلى الأبد ؟؟


محمد أيت سدي امحمد
الدار البيضاء، 22/08/2014

(CC) حقوق الصورة البارزة لـ Marko Puusaar

Fatal error: Uncaught Exception: 12: REST API is deprecated for versions v2.1 and higher (12) thrown in /home/clients/ed3c6347dbe4ca3a4321eb32fe384a07/arablog/wp-content/plugins/seo-facebook-comments/facebook/base_facebook.php on line 1273